29 - 07 - 2024

ضوء في آخر النفق | الشموع المنطفئة ..لاتقاوم العتمة!

ضوء في آخر النفق | الشموع المنطفئة ..لاتقاوم العتمة!

يسأل ابني الصغير ذو الاثني  عشر عامًا :كم يبلغ راتبك الشهري ياأبي؟ ويضيف: هذا المقال الذي كتبته ، والدراسة  النقدية - دراسات في الحقيقة- التي نشرتها، والحلقات التليفزيونية التي تتحدث فيها كل مرة  لنحو ساعة الا ربعًا .. وتذاكر قبلها كما طالب يستعد لامتحان، ألم  تحصل على أموال منها ، بما يكفي  لتلبية احتياجاتنا، وشراء أنواع الطعام التي كنت تشبعنا منها.. زمااااان ، دون أن تتضرر ميزانيتك او تشعر بأنك ستواجه هزة مالية عنيفة، كالتي تحدثنا عنها هذه الايام ،كلما طالبناك بأن تعيدنا إلى سيرتنا الأولى؟ تعبنا من أطعمتك الحالية ؛ فولك وعدسك، بطاطسك المهروسة،  الشكشوكة، هذه الأكلات  التي تلجأ اليها اكثر من مرة أسبوعيًا ، متذرعًا بأن كيلو اللحم بلغ الحلقوم (٤٨٠ ج فى بعض المناطق وأكثر في مناطق أخري) وان "البانيه" أصبح سعره يفوق الخيال؟ "أمال يابابا انت  كاتب إزاي وصحفي من زمان (١٩٨٤-…؟)؟ هل هناك كتاب بلا أموال ؟!ابني هو إبن مجتمع يربط بين نوعية الكاتب (برلنت ولا فالصو) وتأثيره وتقديره بما في جيبه من نقود!

انزعجت، تملصت من الإجابات بشتي الطرق، لكن رغبتي فى محاورة نفسي معه ، وتمزقى من الأزمة الطاحنة التي يعيشها المجتمع - خاصة  الكتاب والصحفيون - أعادتني لمحادثته ؛ هذا مجتمع لم يعد يقدر  قيمة الكِتَاب والجريدة ! في عصور سابقة كان المجتهدون منا يتقاضون رواتب مالية جيدة، واغلبية المؤسسات تساعد في الحصول على شقق وعلى أراض وتمنح بدلات و تأشيرات للحج والعمرة .. أغلب محرري وكتاب الصحف المسماة بالقومية (وهي ليست تسمية دقيقة) كانوا يتمتعون بامتيازات بالجملة تتيح لهم حياة كريمة. وكان الكتاب يكتبون الكتب وينشرونها ويتكسبون منها آلافًا مؤلفة، ويحققون نجومية هائلة، ويبيعون كتبهم قبل نشرها لصحف عربية.. ويتكسب الناشرون أيضا ؛صنعوا ثروات هائلة . بمرور الوقت تغيرت المنظومة كليًا . أفلست المؤسسات أو تكاد واستدانت ، وتراجعت المهنة وتراجع الكتاب ولم تعد دور النشر تدفع للكتاب، بل يدفع الكتاب لينشروا ابداعهم، واذا اتفقوا على أجر ، فإنهم يرمون لهم بضع نسخ من كتابهم !! هل يجوز للناشرين اليوم سرقة جهد وابداع المؤلفين؟

كتاب كبار بلغوا في نهاية مشوارهم مناصب براقة اسمًا ، يتقدمون- مثلي- لطلب قرض حسن من النقابة (١٠ آلاف ج فقط)! مصيبة أن تتدني رواتب وبدّلات الصحفيين ،إلى حد يضطرهم لطلب القرض الحسن الضئيل !

النقابتان (الصحفيون واتحاد الكتاب) ومؤسسات الصحافة واتحاد الناشرين والحكومة مطالبون بمناقشة هذه الأوضاع المزرية !

لا أستحي وأنا الذي أكتب "ببلاش" منذ عام ٢٠١٨ - تاريخ عودتي من الكويت -حتي الآن ، من أن أطلب عملا فأنا أكتب وأقرأ منذ السابعة صباحا وحتي منتصف الليل ، مجانا، بل كنت أدفع من مالي الخاص لإقامة ثلاثة ملتقيات ثقافية شهريًا (ملتقى الشربيني الثقافي)

حكاياتنا المأساوية يندي لها الجبين ، نصرخ عساها تجد طريقها نحو المجتمع ، فينتصر لحقوق ضميره الحي ؛ كتابه ومبدعيه  وصحفييه .وينقذ  هذه الفئة المغبونة ، حتى لا يظل "فجر ضمير" العصر الحديث يحترق بين أربعة جدران ، يخوض معارك الوطن ضد الارهاب و الفساد و التخلف والبيروقراطية و العادات والتقاليد البالية ، مكسورا أمام نفسه قبل  أولاده . الأزمة تشتد والظلام يخيم. الشموع المنطفئة لا تقاوم العتمة !
---------------------------------
بقلم: محمود الشربيني




مقالات اخرى للكاتب

لا تقاطع .. ولا تصالح !